تاريخ تودغى/ تنغير: الحلقة الثانية
غزا بنو سعد منطقة وادي تودغى في سنة 1537. و بنو سعد قبيلة عربية استقرت منذ القدم بدرعة و اسست لاحقا امبراطورية السعديين التي وصلت اوج ازدهارها خلال حكم السلطان أحمد المنصور. و لكن بعد وفاته سقط المغرب في الفوضى
ابتداء من تلك اللحظة، أصبحت تودغى و الواحات شبه الصحراوية مسرحا لصراعات متأججة بين قوى مختلفة: الشيخ أبي محلي في سجلماسة (توفي في 1614)، مولاي علي الشريف، الزاوية السملالية بإليغ (الأطلس الصغير)، الزاوية الدلائية لآيت اسحاق (الأطلس المتوسط)، كنفدرالية قبائل آيت عطا بجبل صاغرو و كنفدرالية جديدة لقبائل الأطلس الكبير الشرقي تأسست سنة 1645 تحت اسم آيت ياف لمان بدافع من الزاوية الدلائية
نجح مولاي علي الشريف في هزم القوى الأخرى و أصبح سلطان تافيلالت، ولكن بعد وفاته في 1659 دفعت خلافات حول وراثة الحكم ابنه مولاي رشيد الى الرحيل الى تودغى بينما مولاي محمد يحتفي بنصره في الريصاني
ابتداء من 1693، بسط مولاي اسماعيل نفوذه على كل المنطقة بعد دحره لمقاومة قبائل الأطلس الكبير الرحل بمساعدة رجال من تودغى و فركلة و غريس. بعد ذلك وضعت تودغى تحت امرة عامل الريصاني
و لكن بعد وفاة مولاي اسماعيل في 1727، ابتدأ الصراع بين آيت عطا و آيت ياف لمان و الدولة المركزية للعلويين بفاس التي كانت لها سلطة اسمية على المنطقة غالب الأوقات
في سنة 1822، وصل مولاي سليمان بجنوده و عسكر بالهضبة المسماة "اغير ن محالت" قرب قصر تنغير و نجح في اخضاع الواحة و فرض ضرائب بعد حملة عسكرية طويلة الأمد و بعد ترحيل كل رجال قصر حارة ايعاميين الى مكناس. هؤلاء الذين حررهم سنوات بعد ذلك بفضل تدخل زاوية وزان
في إطار نفس الحملة، و قبل الوصول الى تودغى حصل مولاي سليمان على بيعة قبيلة آيت مرغاد القوية التي تنتمي الى كنفدرالية آيت ياف لمان و عين عليها القائد بني حيا المنحدر من الأطلس المتوسط و الذي استقر لاحقا بقصر الخربات اوجديد (فركلة). استمد المخزن قوته من خضوع قبيلة آيت مرغاد ليواصل اخضاع واحات عديدة في منتصف القرن التاسع عشر
لمواجهة هجمات جيرانهم الشرقيين، منح أهل تودغى أراضي في مصب الوادي لآيت عطا ليكون هؤلاء حاجزا وقائيا من هجمات آيت مرغاد الآتين من الشرق
في احدى قصور جنوب تودغى بالمنطقة التي وهبت لآيت عطا و بالضبط بقصر تادافالت، قضى "شارل دو فوكو" ليلة سنة 1884 بعد أن حل بحي اليهود بتاوريرت ن ايمزيلن و ذهب الى سوق الاثنين بتنغير. كتب يقول:" الحروب كثيرة و متواصلة في تودغى و يجب الحذر دائما: كل بلدة محصنة داخل سور و في كل الجنبات ترتفع تحصينات "اكديم" قلعة مراقبة. خلال الوقت الذي قضيته بتاوريرت، كان هذا القصر في حرب مع جاره آيت أورجدال. كل يوم يتم تبادل اطلاق النار و كل النوافذ و الشقوق مقفلة و لا أحد يجرؤ على الظهور بالسطح مخافة ان يصبح هدفا و القريين كانا متجاورين، و رغم محدودية مدى الأسلحة الا ان الاصابات تقع بين الططرفين". انتهى
رفض أبناء القايد بني حيا أداء المكوس للدولة دفع مولاي الحسن الى تجهيز حركة سنة 1892. هزم جنوده آيت مرغاد المتمردين بفركلة و ولى عليهم قائدا جديدا ثم وصل الى تودغى حيث حط الرحال بهضبة "اغير ن محالت" و بقي بها الى حين الخضوع الكلي للمنطقة و دفع الضرائب
من هناك، ذهب مولاي الحسن الى مراكش و اثناء مروره ب "تلوات" استقبله القائد المدني الكلاوي و منحه مولاي الحسن لقب "خليفة الكلاويين" بتودغى و تافيلالت". استنادا الى هذا التعيين، بدأ الاخوة الكلاوي المدني و التهامي الحملة الأولى لغزو تودغى و تافيلالت في ماي 1900 دون نجاح يذكر.
المقال القادم: مقاومة الغزو الفرنسي